تعريفه:
لغةً: اسم مفعول من الإدراج، يقال: أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته فيه وضمنته إياه. ويقال: أدرجت الكتاب في الكتاب إذا جعلته في درجه أي طيّه([1]). وأُدرج فلان في أكفانه إذا أدخل فيها([2]).
واصطلاحاً: هو ما غُيّر سياق إسناده أو أدخل في متنه كلاماً ليس منه([3]).
أقسام المُدرج:
من خلال التعريف الاصطلاحي للمدرج يتضح أنه قسمان:
1- مدرج الإسناد . 2- مدرج المتن.
أولاً: مدرج الإسناد:
تعريفه:
ما غُيّر سياق إسناده.( [4]) سمّي بذلك لأن المغير له أدخل الخلل في إسناد الحديث([5]).
صُوَره:
لمدرج الإسناد أربع صور ذكرها الحافظ في الشرح([6]). هي:
الصورة الأولى: أن يروي جماعةٌ الحديثَ بأسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راوٍ فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد ولا يبين الاختلاف.
ومثالها: ما روى أبو داود عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم .. ))([7]) الحديث. فهذا الحديث قد أدرج فيه إسناد آخر.
وبيان ذلك: أن عاصم بن ضمرة رواه موقوفاً على علي، والحارث الأعور رواه مرفوعاً، فجاء جرير بن حازم وجعله مرفوعاً من روايتهما، مع أن أبا داود ذكر أن شعبة وسفيان وغيرهما رووا هذا الحديث عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه، فعلمنا أن جريراً قد أدرج رواية عاصم مع رواية الحديث فجعل الحديث مرفوعاً([8]).
الصورة الثانية: أن يكون المتن عند راوٍ بإسناد واحد إلا طرفاً منه، فإنه عنده بإسناد آخر، فيرويه راوٍ عنه تاماً بالإسناد الأول ويحذف الإسناد الثاني([9]).
ومثالها: ما روى أبو داود عن زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي آخره: أنه جاء بعد ذلك في زمان فيه برد شديد فرأى الناس عليهم جلّ الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب([10]).
والصواب: رواية من روى عن عاصم بن كليب بهذا الإسناد صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقط، وفصَل ذكر رفع الأيدي عنه، فرواه عن عاصم عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر([11]). ويلتحق بهذه الصورة ما إذا سمع الراوي من شيخه حديثاً بلا واسطة إلا طرفاً منه فيسمعه عن شيخه بواسطة فيرويه عند راوٍ تاماً بحذف الواسطة مع أنه لم يسمع الطرف إلا بواسطة([12]).
الصورة الثالثة: أن يكون عند الراوي حديثان مختلفان بإسنادين مختلفين فيرويهما عنه راوٍ مقتصراً على أحد الإسنادين، أو يروي أحد الحديثين بإسناده الخاص به، لكن يزيد فيه من المتن الآخر ما ليس في الأول([13]).
ومثالها: ما روى سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا ... )) الحديث، متفق عليه([14]).
الصورة الرابعة: أن يسوق الراوي الإسناد فيعرض له عارض فيقول كلاماً من قبل نفسه فيظن من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد فيرويه عنه كذلك([15]).
ومثالها: ما وقع لثابت بن موسى الزاهد أنه دخل على شريك القاضي وهو يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل ثابت عليه فلما نظر إلى ثابت قال: (( من كَثُرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ))([16]). يريد به ثابتاً فظنّ ثابت أن ذلك سند الحديث فكان يحدث به بهذا الإسناد([17]).
ثانياً: مدرج المتن:
تعريفه:
هو أن يُدخَلَ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ من كلام بعض الرواة من غير فصل([18]).
و حاصله أن يذكر الراوي صحابياً أو غيره كلاماً لنفسه أو لغيره، فيرويه من بعده متصلاً بالحديث من غير فصل يميّزه عن الحديث، فيتوهم من لا يعرف حقيقة الحال أنه من الحديث. والفرق بينه وبين الصورة الرابعة من مدرج الإسناد أن مدرج الإسناد يكون بتمامه مما يظن أنه حديث مستقل، وأما مدرج المتن فيظن أنه جزء من الحديث([19]).
أقسامه:
مدرج المتن ثلاثة أقسام:
1- مدرج في أول المتن:
ومثاله: حديث (( أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار ))([20]) فقوله: (( أسبغوا )) من قول أبي هريرة رضي الله عنه. يدل على الإدراج ما رواه البخاري عن أبي هريرة أنه قال: أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: (( ويل للأعقاب من النار ))([21]).
هذا القسم نادر جداً حتى إنه يعز أن يوجد له مثال ثان([22]).
2- مدرج في أثناء المتن:
ومثاله: ما رواه الدارقطني عن بسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( من مسّ ذكره أو أنثييه أو رفغيه([23]) فليتوضأ ))، فقوله: (( أو أنثييه أو رفغيه )) مدرج من قول عروة غير مرفوع([24])، وهو في السنن الأربعة بدونها([25]).
ومن أمثلة المدرج في أثناء المتن تفسير التحنث بالتعبُّد في حديث بدء الوحي([26]).
3- مدرج في آخر المتن وهو الأكثر:
ومثاله: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن أمتي يدعون يوم القيامة غرّاً محجّلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرّته فليفعل ))([27]). فقوله: (( فمن استطاع منكم أن يطيل غرّته فليفعل )) مدرج من كلام أبي هريرة رضي الله عنه([28]).
قال الحافظ ابن حجر: لم أرَ هذه الجملة في رواية أحد ممن يروي هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه([29])، كذا قال. وهو مسند الإمام أحمد رحمه الله وفيه: هذه الزيادة من رواية ليث عن كعب عن أبي هريرة([30]).
منشأ الإدراج:
ينشأ الإدراج في المتن عن عدة أسباب منها:
1- أن يقصد الراوي تفسير كلمة غريبة كتفسير التحنُّث بالتعبّد([31]).
2- أن يقصد الراوي بيان تمام عمل. ومثاله: حديث ابن مسعود في التشهّد([32])، وفي آخره: فإذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد([33]). فقوله: فإذا قلت .. إلخ مدرج من كلام ابن مسعود لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم([34]). ما يعرف به الإدراج:
يعرف الإدراج بأمور منها:
1- النص عليه من الراوي أو من بعض الأئمة.
2- ورود اللفظ المدرج منفصلاً في رواية أخرى.
3- استحالة صدوره من النبي صلى الله عليه وسلم, كقول أبي هريرة في حديث: (( للعبد المملوك الصالح أجران والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله وبرّ أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك))([35])
ووجه استحالته: أن أمه عليه الصلاة والسلام قد ماتت وهو صغير([36])
حكم الإدراج:
لا يخلو الإدراج إما أن يكون عن خطأ أو عن عمد، فإن كان عن خطأ فلا حرج على المخطئ، إلا أن كثرة خطئه تقدح في ضبطه وإتقانه، وإن كان عن عمد فإنه يكون حينئذ حراماً لما يتضمن من التلبيس والتدليس ومن عزو القول إلى غير قائله، إلا أن يكون الإدراج لتفسير شيء في الحديث ففيه بعض التسامح والأَوْلى أن ينص الراوي على بيانه([37]).
|